التغيرات السريعة والمتلاحقة في مختلف الميادين التعليمية والتكنولوجية من مميزات هذا العصر والتي لا يكفي أن نشجع على تحريكها او التوجيه بالتكيف معها، بل علينا أن نختار بديلاً لها ونسيرها بالاتجاهات التي تؤثر بشكل مباشر على السياسة التعليمية في بلدنا.
التعليم العالي كأي نشاط انساني هادف يؤدي الى تحقيق اهداف معينة حتى في الحالات التي يغيب تصور واضح ومحدد لها وذلك انطلاقاً من كون التعليم وظيفة اجتماعية لا تنشأ من فراغ، بل في اطار مجتمعي مميز حيث تعمل جنباً الى جنب مع المؤسسات المجتمعية الاخرى، وكلها تتحرك حركه ديناميكية باتجاه خدمة النظام الاجتماعي وتنمية المجتمع ككل.
وبما أن غاية التعليم العالي هي اعداد الأفراد للحياة في مجتمع معين ثم تنميته لأقصى درجة ممكنة، لهذا اصبحت مؤسسات التعليم العالي قوه تستند لمستويات واصول ونظريات، وفلسفة وسياسات هادفة، وتعد حجر الزاوية بالعملية التعليمية وهي المصدر والطريق الذي ينبغي سلوكه لتحقيق القوة للمجتمع.
هذا يعني ان مؤسسات التعليم العالي ينبغي ان تكون على وعي تام بمعنى المواطنة القادرة على تحمل مسؤولية البناء والتحدي، كما ينبغي أن يقوم عملها على مفاهيم واضحه لطريقة تكوين هذه المواطنة والخبرات الكفيلة بتحقيق المجتمع في التقدم ومسايرة العصر وصنع حياة جديدة قوامها العلم والتكنولوجيا.
لقد اصبح من الضروري أن تواكب مؤسسات التعليم العالي متطلبات العصر الحالي والمتوقع حدوثها مستقبلاً بالتركيز على المعلومات المقدمة للطلبة وأيضاً على الطرائق والاساليب التي يعتمدها الطالب في الحصول على المعلومات ومن مصادر مختلفة، ولهذا من الضروري اعادة النظر بالمناهج والمقررات الدراسية وتوفير الامكانات للطالب للحصول على المعلومة من خلالها ضمانة لعملية التعليم، ولتغيير اساليبه المنتشرة في بعض الجامعات التي تعتمد على التلقين والحفظ واستبدالها بطرائق واساليب حديثة ضماناً لتنمية قدرات التفكير والابداع عند التدريسيين والطلبة، والاستفادة من عصر المعلومات والتقنيات الحديثة التي نعيشها.
ولما كان عضو هيئة التدريس يشارك بقسط واف في عملية تطبيق هذه الطرائق والأساليب فلابد من تحديثها وبما يتناسب مع اهمية الدور الموكل اليه، وتطوير هياكل ونظم ومنهجيات الاعداد لعضو هيئة التدريس وذلك لمسايرة التغير الدائم والسريع وتقييم ادائه بواسطة معايير دقيقة تشدد على تحقيق انجازات اساسها الكفاية والفاعلية، مما سيكون له الدور الفاعل في تهيئة المناخ المناسب لإنجاح اعماله والوصول به الى ما نبتغيه من مستوى بناء ونافع.
التدريسيون بحاجه ماسة الى مدهم بكل جديد ومفيد، لأن الانفجارات العلمية المتلاحقة التي يشهدها عالمنا المعاصر تطرح تحديات إمامهم للاندماج بها، لذا بات من الضروري ترسيخ التعاون والتواصل والتبادل الفكري والجامعي والعلمي والثقافي بين الجامعات العربية والعالمية، بشكل يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية، وذلك في جذب النتاجات العلمية الحديثة ووضعها في مكتبات مؤسسات التعليم العالي، بحيث تكون مراكز علمية وثقافية ومنبعا للتطوير وملاذا خصبا وعامل جذب لا يقاوم لجميع الطلبة واساتذتهم، وانطلاقا من هذا المفهوم لابد من التفاعل الحقيقي بين كل المثقفين والباحثين العرب والأجانب الذين يتميزون باستعدادهم الفكري والثقافي والعلمي، ليكونوا اداة اساسية للتوصل الى تطوير مؤسسات التعليم العالي وتحسين اداء طلبتها واساتذتها وبالتالي تثمين هذا التعاون ودفعه في أكثر من اتجاه ايجابي لخير الشعب العربي، عن طريق وسائل غير تقليدية ولا أن نغرق في متاهات الجدل بل علينا الاسراع بما يأتي :-
1- تامين المزيد من اجواء الاستقرار والثقة لأساتذة الجامعات وتبسيط وتسهيل مهامهم الادارية والقانونية والعلمية.
2- فتح الاختصاصات الضرورية وتوفير المختبرات حرصاً على الالتزام بالمستويات العلمية والتطبيقية المنشورة وحسب كل جامعة.
3- ابتداع اساليب وصيغ جديدة لتوظيف رؤوس الأموال واستثمارها في الجامعات مما يعود بالنفع على الجميع.
4- اتاحة المجال امام طلبتنا بالمزيد من الابداع والمشاركة الفاعلة في رفع مستوى الانتاج.
5- قطع الطريق على هجرة الخريجين والاساتذة وما يولده من تفريغ للبلد من طاقاتهم الحيوية الواعدة.
6- شحذ الهمم نحو انجاز المهمات وتقويمها باتجاه اعتمادها مؤشراً صحيحاً وموضوعياً وهنا لابد من التفاعل الحقيقي بين الدول العربية.
7- المستوى العلمي ومشاكل الجامعات وقضايا المناهج والبطالة للخريجين بحاجه الى دراسة علمية وتفكير سليم لوضع الحلول المناسبة لها والضغط على المسؤولين لإيلائها اهمية مناسبة.
لذا نجد بأن هناك حاجة ملحة لتحليل عمل مؤسسات التعليم العالي واعادة تقويم اهدافها من اجل استيعاب متطلبات هذا العصر وما يتضمنه من قضايا ومشكلات مترابطة نتيجة ثورة المعلومات والتقدم العلمي والتكنولوجي والتغيير السريع وما نجم عن ذلك من تطورات متلاحقة وتراكم المعرفة وتزايدها بصفة مستمرة وبخاصة التنوع الكبير للمعرفة البشرية.
ونأمل أن يكون هذا محققاً لبعض ما نرجو، وأملاً في الوقوف أمام ذلك التطور المتسارع في هذا العالم المتغير ومحاولة اللحاق بإبداعات العقل الانساني ومواكبة كل ما هو جديد ومفيد.